تبرز أنوشكا شانكار كصوت استثنائي يُعيد صياغة الفن الكلاسيكي الهندي عبر رؤية جمالية متعددة الأبعاد. ولدت في لندن في 9 يونيو 1981 لأب هندي شهير هو رافي شانكار، أسطورة السيتار، وأم بريطانية، وهي أيضًا الأخت غير الشقيقة للمغنية نورا جونز، لكن أنوشكا لم تبن شهرتها على نسبها العائلي فقط، بل شقّت طريقها بعزيمة لافتة وموهبة نادرة جعلت منها واحدة من أبرز الأسماء في الموسيقى العالمية المعاصرة.
منذ ألبومها الأول Anoushka عام 1998، ظهرت بصمتها الفنية الواضحة: أصالة في العزف الكلاسيكي الهندي مقرونة برغبة عارمة في التجريب. على مدى أكثر من ربع قرن، تجاوزت حدود التقاليد دون أن تقطع جذورها، فوظفت السيتار في حوارات مع أنماط موسيقية قد تبدو بعيدة: الجاز، الفلامنكو، الموسيقى الإلكترونية، وحتى البوب. وكان عملها المشترك مع كارش كالي في ألبوم Breathing Under Water مثالاً حياً على هذه الجرأة الإبداعية التي تمزج بين الروح والتكنولوجيا.
لكن أنوشكا لم تكتف بالعزف والتأليف، بل طوّرت استخدام السيتار كلغة فنية معاصرة للتعبير عن الذات والهُوية والعدالة. ألبوماتها الأخيرة، ضمن ثلاثية مميزة بين 2023 و2024، Forever, For Now، How Dark it Is Before Dawn، وWe Return to Light، كانت بمثابة رسائل شخصية – شعرية وسياسية – تستلهم من تجاربها كأم، فرد، وفنانة مهاجرة تعيش بين لندن ولوس أنجلوس. هذه الأعمال كانت بمثابة حلقات صوتية تكشف عن عوالم داخلية نابضة، متأملة، وتمردية في آن.
حصلت أنوشكا على أحد عشر ترشيحًا لجائزة غرامي، وهو رقم قياسي لموسيقية متخصصة في السيتار، كما مُنحت الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد، وشاركت كأول هندية (وأول امرأة من أصل هندي) في تقديم عروض مباشرة في حفلات الغرامي. أطلّت على أهم مسارح العالم، مثل قاعة البرت الملكية بلندن، وقدّمت عروضًا في مهرجانات أوروبية مرموقة، حيث نُظر إليها ليس فقط كموسيقية بل كرمز ثقافي قادر على اختراق النمطية وتقديم وجوه جديدة للموسيقى الهندية في السياق العالمي.
أنوشكا شانكار تمثل حالة فنية نادرة حيث تتحول الآلة التقليدية إلى وسيلة حوار عالمي، وحيث يتجسد الجسر بين الشرق والغرب لا عبر التوفيق السطحي بل من خلال حوار عميق بالأنغام والإيقاع والتجربة الإنسانية. موسيقاها ليست لحظة ارتجال فني عابر، بل دعوة إلى الإصغاء لعوالم عابرة للهويات، تقودها نسوية آسرة وموهبة لم تكن يومًا في حاجة إلى نسبها الشهير لتثبت وجودها.