في لقاء صحفي مع موقع "La Vie"، استعرضت الفنانة السوبرانو الفرنسية المغربية ذات الأصول اليهودية سفاردية، فرانسواز أطلان، رؤيتها حول التعايش بين الديانات في منطقة البحر الأبيض المتوسط ودور الموسيقى كجسر للحوار. أثناء مشاركتها بإطلاق الدورة الثانية من مهرجان "Voix des Suds" في مارسيليا، روت كيف أنها عملت على أن تتلاقى التقاليد الدينية الثلاث الكبرى في مشروعها الموسيقي.
تؤمن أطلان بأن قوة الموسيقى لا تكمن في إذابة الهويات ضمن "خليط" واحد، بل في الاعتراف المتبادل بالأصول وتوظيف هذا الوعي لخدمة الحوار. من هنا، تروي كيف سيقدَّم في الحفل الافتتاحي للمهرجان مقطوعات بلغات متنوعة، منها أنشودة "كانتيغا دي سانتا ماريا" التي تعود إلى القرن الثالث عشر، بمشاركة عازفين ومغنين من خلفيات دينية وجغرافية متعددة، ما يجعل اللقاء مناسبة للاحتفاء بتعددية الضفاف المتوسطية. بالنسبة لها، اختيار اسم فرقتها النسوية "Bilbilikas" مستوحى من كلمة تركية يقصد بها "البلبل"، إلا أنها حملتها لمعان رمزية جديدة مناسبة لهوية الفرقة.
ترى أطلان أن تجاور هويات موسيقية متباينة كالبيانو الغربي والـ"قانون" الشرقي داخل عرض واحد يولّد حواراً أصيلاً، شرط أن يتمسّك كل طرف بوعيه الثقافي ويظل منفتحًا على الاختلاف. تستشهد بمقولة ماهلر الشهيرة حول "نقل الشعلة" بدلاً من عبادة الرماد، مؤكدة أن التقاليد يجب أن تتفاعل لا أن تتقوقع.
تشير إلى نماذج موسيقية تتجاوز الهوية الواحدة، مثل ترتيلة "أفينو ملكينو" العبرية التي تُشبه في معانيها صلاة "الأبانا" المسيحية، وتعبّر عن تطلعات إنسانية مشتركة بين أتباع الديانات السماوية. وتوضح أنها حرصت خلال مسارها المهني على إبراز المشترك الموسيقي والروحي بين الإسلام واليهودية والمسيحية، وهو ما انعكس طوال تجربتها، منذ طفولتها بين التراتيل العبرية والمقامات العربية وصولًا لدراستها الموسيقى الكلاسيكية وتعاملها مع فرق ومؤلفين متعددين.
تتوقف أطلان عند محطة مفصلية حين أدّت عام 2019 ترتيلة "آفي ماريا" في الرباط أمام الملك محمد السادس والبابا فرنسيس، في حضور يجمع رموز الديانات الثلاث. تقول إنها بقيت متأثرة بهذا الحدث الذي منحها لاحقًا الجنسية المغربية كمكافأة رمزية على جهودها في ترسيخ الحوار الديني عبر الفن.
أما عن الحضور المسيحي في عملها، فتؤكد أن الكنائس والأديرة الوطنية لطالما كانت فضاءاتها الأساسية، وتمزج ذلك بروح من الدعابة، مشيرة إلى شعورها الدائم بأنها تغني أمام المسيح أو العذراء مريم في هذه الأمكنة الملهمة.
حصولها على جائزة المتوسط للسلام عام 2024 أكّد إيمانها بأن الموسيقى قادرة على التقريب بين الشعوب، رغم تصاعد التوترات بعد أحداث 7 أكتوبر. تقول إنها تسعى دائمًا ليكون صوتها امتدادًا لإيمانها، معتبرة أن الغناء ضرب من الروحانية والمهمة الوجودية التي تربطها بخالقها.
يتجلى مهرجان "Voix des Suds" كفضاء لهذا التلاقي بين الثقافات، ويستضيف فعاليات موسيقية، دينية وتثقيفية متعددة داخل أروقة دير سان-فيكتور التاريخي، ليشهد مجددًا على حيوية التعايش المشترك في حوض البحر المتوسط.


